الاحتفال بعشرة سنوات مع مركز ضحايا التعذيب: تأملات حول قيادة التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان

بقلم نور زاده | مديرة البرنامج الدولي

عند تفكيري في الذكرى العاشرة لانضمامي إلى مركز ضحايا التعذيب (CVT) وإدارة برنامج التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان، ينتابني شعور غامر بالفخر والامتنان لهذه الرحلة. على مدار العقد الماضي، كان لي ولفريق عمل التكتيكات الجديدة الشرف بتدريب 1762 مدافعًا عن حقوق الإنسان من 72 دولة. كل فرد منهم يمثل قصة من الصمود والشجاعة والالتزام بتعزيز حقوق الإنسان عالميًا.

كيف بدأت الرحلة؟ 

شاركت في دورة تدريب المدربين (ToT) على منهجية الخمس خطوات للتخطيط الاستراتيجي الفعال في عام 2010، تجربة التدريب شخصيًا ومشاهدة تأثيره القوي على عملي عززت إيماني بأهمية التفكير الاستراتيجي في المدافعة وكسب التأييد في تمكين المدافعين عن حقوق الانسان والتقدم بتغيير ملموس اثناء نضالهم من أجل حقوق الإنسان. لاحقًا، في عام 2014، انضممت رسميًا إلى برنامج التكتيكات الجديدة كمديرة التدريب، وفي عام 2015 حظيت بامتياز قيادة مكتب التكتيكات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. اما في عام 2022، قمت بقبول تحدٍ جديد كمديرة البرنامج العالمي للتكتيكات الجديدة.

عندما بدأت بالعمل في مركز ضحايا التعذيب، كنت متحمسًا للمساهمة في رؤية تتوافق عن كثب مع شغفي بالعدالة والكرامة الإنسانية، حيث بدء برنامج التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان انطلاقاً من الإيمان بأن تزويد المدافعين عن حقوق الانسان باستراتيجيات مبتكرة تمكّنهم من الوقوف في وجه انتهاكات حقوق الانسان والمطالبة بالمحاسبة.

التحديات واللحظات الملهمة على مر السنين

على مر السنين أصبحت التحديات أكثر تعقيدًا، واحدة من أهم القضايا هي التغيير المستمر للمشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد جلب الربيع العربي عام ٢٠١١ الأمل والتفاؤل، لكن تبعه فترات من عدم الاستقرار، مما أدى الى صعوبة في تنفيذ المشاريع طويلة المدى. فأصبحت الحكومات أكثر تشكيكًا في الجهود الدولية لحقوق الإنسان، واضطر العديد من شركائنا المحليين إلى العمل في بيئة تتسم بالرقابة والمخاطرة المتزايدة. كانت عملية موازنة دقيقة بالنسبة لنا فقد حرصنا على تقديم الدعم الذي يحتاجه المدافعون عن حقوق الأنسان دون تعريضهم للخطر.

في مثل هذه اللحظات، من المهم ألا نفقد الأمل. بالنسبة للكثيرين منا، يعتبر الدمار المستمر في غزة تذكيرًا مؤلمًا بالتحديات الهائلة التي لا تزال تواجهها المنطقة. ولكن حتى في أحلك الأوقات، يجب أن نؤمن بأن التغيير، مهما كان صغيرًا، ممكن. ما يبدأ كتحرك شعبي، سواء كان تقديم الإغاثة الأساسية، أو الحشد من أجل وقف إطلاق النار، أو الوقوف تضامنًا مع شعب غزة، يمكن أن يتطور إلى شيء أكبر بمرور الوقت. قد يبدو التقدم بطيئًا، ولكن كل خطوة نحو العدالة مهمة، ويجب ألا ندع اليأس يطغى على الانتصارات الصغيرة التي تتراكم على طول الطريق. يستغرق التغيير الفعلي وقتًا، لكن يجب أن نظل ثابتين في سعينا لتحقيق الكرامة الإنسانية والحرية.

لحظات من النجاح والتطور

على الرغم من التحديات، كانت هناك العديد من لحظات النجاح والتطور. واحدة من أكثر الجوانب التي تجعلني أنسى التعب هو مشاهدة نمو وتطور المشاركين، على مر السنين، شاهدت النشطاء وهم يصبحون أكثر ثقة في استراتيجياتهم، وأكثر فعالية في حملاتهم، وأكثر صمودًا في مواجهة الشدائد. باستمرار يشارك معنا النشطاء كيف أن هذا التدريب قد طور عملهم حيث أدى إلى إنشاء حملات مدافعة مؤثرة، وتحسين تخطيط وتنفيذ حملات حقوق الإنسان، وساهم في النمو الشخصي والمهني على حدا سواء. العديد منهم قد دمجوا منهجيتنا في العديد من الحملات، مما أدى إلى نهج أكثر تنظيمًا واستراتيجية في عملهم في المدافعة. أحد المشاركين قال إن تدريب التكتيكات الجديدة عمّق فهمه وإتقانه لمبادئ المدافعة وكسب التأييد، مما عزز بشكل أساسي نهجه في العمل الحقوقي. "التغييرات إيجابية على المستويات الشخصية والمهنية، حيث تعزز الفهم المنهجي للمدافعة وكسب التأييد، والمرونة، والقدرة على التكيف مع التحديات المتطورة على ارض الواقع، مستندة إلى الركائز الثلاثة للمعرفة."

إنجاز آخر كان توسيع نطاقنا في التعلم الرقمي. على مر السنين، طورنا موارد متعددة عبر الانترنت مثل، الندوات، والبودكاست، وتوثيق دراسات الحالة للحملات، والتكتيكات. توسعت دورتنا لتصبح متاحة عبر الإنترنت وتستمر لستة أسابيع، مما أتاح للمدافعين عن حقوق الإنسان الوصول إلى تدريب تفاعلي بغض النظر عن الموقع الجغرافي. بالإضافة إلى أداة الخرائط التكتيكية، التي تساعد المدافعين عن حقوق الإنسان على رسم تحديات وفرص عملهم بصريًا حيث تمكنهم هذه الأداة من تحديد الحلفاء الرئيسيين، والمعارضين المحتملين، والاستراتيجيات لزيادة التأثير. أصبح هذا الأمر ذو أهمية خاصة خلال جائحة COVID-19 عندما لم تكن ورش العمل وجهاً لوجه ممكنة. فتحت بيئتنا التعليمية الرقمية الأبواب للناشطين من جميع أنحاء العالم، مما سمح لهم بالمشاركة في جلسات تفاعلية، وبناء شبكات، واكتساب مهارات مهمة لتعزيز جهودهم في مجال المدافعة وكسب التأييد.

من خلال هذه الجهود، شهدنا قصص نجاح لا تعد ولا تحصى، حيث طبق المشاركون الأدوات والتكتيكات التي تعلموها لإحداث تغيير حقيقي. قدرتهم على التأثير على السياسات، وقيادة حملات المدافعة وكسب التأييد، وبناء شراكات استراتيجية هي شهادة على التأثير الدائم لبرنامج التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان.

التطور على المستوي الشخصي والدروس المستفادة

قام عملي في برنامج التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان بالتأثير علي ليس فقط مهنيًا بل شخصيًا أيضًا. واحدة من أهم الدروس التي تعلمتها هي قيمة المرونة، العمل في مجال حقوق الإنسان رحلة طويلة وشاقة في كثير من الأحيان قد يشعر أحيانًا أن التقدم بطيء جدًا. لكن لحظات الانتصار، مثل رؤية شركائنا يحققون انتصارات في مجتمعاتهم، تذكرني بأن كل خطوة إلى الأمام مهمة.

لقد تعلمت أيضًا أن بناء التغيير ليس دائمًا حول الإنجازات الكبيرة؛ غالبًا ما يبدأ صغيرًا، مع الأفراد والمجتمعات الذين يجرؤون على تخيل شيء مختلف. سواء كان ذلك من خلال إطلاق حملة محلية، حيث ان هذه الأعمال الصغيرة من المقاومة والتضامن والأمل يمكن أن تؤدي إلى حركات أكبر تدافع عن الحرية والعدالة. التغيير تدريجي ولكنه حتمي، ومن مسؤوليتنا تغذيته، حتى عندما يكون الطريق طويلاً ومليئًا بالعقبات.

علاوة على ذلك، التعاون هو المفتاح، العمل الذي نقوم به لم يكن ليكون ممكنًا دون تفاني وشجاعة والتزام المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات التي نتعاون معها. من خلال العمل معًا، تمكنا من بناء شبكات دعم تتجاوز الانجازات الفردية. سمحت لنا هذه الشراكات بمشاركة المعرفة، وتعزيز أصوات بعضنا البعض، وخلق شبكات أقوى وأكثر اتحادًا في النضال من أجل حقوق الإنسان.

أخيرًا، كانت القدرة على التكيف ضرورية. مجال حقوق الإنسان يتطور باستمرار، وكانت القدرة على التكيف والاستجابة للتحديات الجديدة والابتكار أمرًا حاسمًا لنجاحنا. سواء كان ذلك من خلال التكيف مع المناخات السياسية المتغيرة بسرعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو الانتقال إلى التعلم الرقمي خلال جائحة عالمية، فإن القدرة على التكيف ضمنت استمرار دعمنا وتمكيننا لأولئك الذين يقفون في الصفوف الأمامية للدفاع عن حقوق الإنسان.

التطلع إلى المستقبل: مستقبل مليء بالإمكانات

 بينما أحتفل بهذا الإنجاز، أشعر بالأمل للمستقبل. الحاجة إلى المدافعين عن حقوق الإنسان أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، وسيستمر برنامج التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان في لعب دور حاسم في تزويد الناشطين بالاستراتيجيات التي يحتاجون إليها لإحداث تغيير دائم.

بالنظر إلى المستقبل، أشعر بالحماس لتعميق شراكاتنا، وتوسيع منصاتنا الرقمية، ومواصلة دعم المدافعين في جهودهم لتعزيز العدالة والمساواة وكرامة الإنسان. لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، لكنني واثق من أنه مع الشغف والمرونة والتعاون من مجتمعنا العالمي، سنستمر في إحداث الفرق.

إلى زملائي وشركائي والناشطين الذين شاركوا هذه الرحلة معي، شكرًا لكم. دعونا نتذكر أنه حتى في أحلك اللحظات، يجب أن نتمسك بالأمل، لأن الأمل هو الذي يدفعنا نحو التغيير الذي نسعى إليه.